من حقوق الطّفل الّتي أوجبها الإسلام على الوالدين / حقّه في التّسمية الحسنة / فالواجب على الوالدين أن يختارا للطّفل إسماً حسناً ينادى به بين النّاس , ويميّز به عن أشقّائه وأقرانه , وأوجب
الإسلام أن يحمل الإسم صفةً حسنة أو معنىً محموداً يبعث الرّاحة في النّفس والطّمأنينة في القلب ,
يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم : { إنّكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم , ألا فأحسنوا أسمائكم } (1) .
والإسم الحسن يخلّف في النّفس أثراً إيجابيّاً ووقعاً طيّباً, لذا فهو من المبادرات الجميلة الّتي سنّها رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم, فقد روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنّه قال:
{ ولد لي غلام فأتيت به إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فسمّاه إبراهيم , وحنّكه بتمرة (2 ) , ودعا له بالبركة, ودفعه إليّ ( 3 ) }ومن الأمور الّتي أمرنا بها الإسلام تسمية المولود منذ الأسبوع الأوّل, فعن
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلم: { أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق } ( 4 ) .
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمّي أبناء أهله وأقاربه وأصحابه ويتخيّر لهم الأسماء الحسنة والجميلة ويروى أنه صلّى الله عليه وسلّم جاء إلى دار ابنته فاطمة رضي الله عنها حين ولدت
{ حسناً } ثم ّسأل : ماذا أسميتم إبني ؟ فقال عليّ كرّم الله وجهه : حرباً , فقال صلّى الله عليه وسلّم :
بل هو { حسنٌ } (5 ) .
وقد أحبّ رسولنا الكريم الأسماء الّتي تحمل معنى العبوديّة لله , والأسماء الّتي تحمل معاني الخير والجمال والحب والكمال , فالإسم الّذي يحمل إحدى هذه المعاني يوقظ في وجدان صاحبه المعاني السّامية والمشاعر النّبيلة ويشعره بالعزّة والفخار باسمه واحترام ذاته , ويبعده عن سخرية النّاس
واستهزائهم وعلى النّقيض من ذلك فالأسماء القبيحة تثير في نفس صاحبها عدم الرّضا عن النّفس
وتدفعه للانطواءعلى الذّات والانعزال عن الاخرين هذا من جهة , ومن جهة أخرى فالأسماء القبيحة تثير السّخرية والاستهتار من قبل الآخرين ممّا يولّد في نفس صاحبها مرارة , وجرحاً غائراً , وقد يدفعه ذلك إلى الخجل الشّديد وعدم القدرة على مواجهة النّاس ومواقف الحياة , وقد يدفعه أيضاً إلى
كراهية النّاس والابتعاد عنهم , لذا فقد حبّذ الإسلام تسمية الأولاد بالأسماء الّتي تحمل معاني العبوديّة لله تعالى أو بأسماء الأنبياء . يقول رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم : { تسمّوا بأسماء الأنبياء , وأحبّ الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرّحمن, وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حربٌ ومرّة } ( 6 ).
إنّ الأسماء القبيحة تشمئزّ منها النّفوس / فحربٌ ومرّة وكلبٌ وحيّة(7) أسماءٌ جاهليّة يجب الابتعاد عنها , وكذلك الأسماء القبيحة الّتي تدلّ على معاني الجبروت والظّلم والتّكبّر مثل / شيطان وظالم وفرعون / (
.
وقد تابع الخلفاء رضوان الله عليهم سيرة نبيّنا الكريم ونهجه القويم في التّسمية الحسنة , فهذا سيّدنا عمر رضي الله عنه , عندما جاءه رجلٌ وقال له: ابني يعقّني , فردّ الإبن بأنّ أباه قد عقّه قبل أن يعقّه هو , ومن الأمور الّتي كانت سبباً للعقوق هي أنّه سمّى إبنه إسماً سيّئاً فحكم له عمر , وأمر المسلمين أن يحسنوا اختيار أسماء أبنائهم (9).
وهناك أسماء تبعث العزّة والأنفة في النّفس كأسماء الصّالحين والأبطال الخالدين , والمصلحين الاجتماعيين , فهذه الأسماء تؤثّر في نفسيّة الطفل وتجعله ينشأ مقلّداً من تسمّى بإسمه في البطولة والإصلاح والعظمة .
ولا يرى الإسلام بأساً من تغيير اسم الإنسان بعد أن يكبر وخاصّةً إذا كان هذا الإسم قبيحاً ويسبّب لصاحبه آلاما ًنفسيّة ويلحق به إيذاءً لا يتناسب مع العبوديّة لله تعالى , فقد روى البخاري عن ابن المسيّب عن أبيه أنّ أباه جاء إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال له: { ماا سمك ؟ قال: حزن(10) قال : أنت سهل...}
, وهذا أبو هريرة رضي الله عنه كان اسمه ( عبد شمس ) فلمّا أسلم غيّر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم اسمه إلى ( عبد الرّحمن ) , وقد غيّر الرّسول أيضاً بعض الأسماء من { حرب إلى سلم, ومن حزن إلى سهل , ومن عاصي إلى عبد الله } لما لهذه الأسماء من أثرٍ سيّء ومجافاة للذّوق السّليم والحس الرّفيع (11) .
إنّ الإسلام هو دين الأخلاق السّامية , لذا فهو لايرضى لأبنائه وبناته أن تطلق عليهم الأسماء السّيّئة والقبيحة , وقد اصطفى الله تعالى أبلغ الأسماء وأحسنها لأنبيائه ورسله عليهم أفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم , بل أحبها إليه وأدلّها على الرّفعة والطّهر , قال تعالى في محكم تنزيله :
{ يا زكريّا إنّا نبشّرك بغلامٍ اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميّا } آية 7 من سورة مريم .
وشاءت حكمته جلّ جلاله أن يسمّي معتنقي دينه( المسلمين ) فقال في بيانه المنزل : { هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرّسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على النّاس } آية 78/ الحج .
فلنتّق الله في أولادنا ولنسمّهم أسماءً حسنة تدخل السّرور إلى نفوسهم , ولأنّها من الحقوق الّتي شرعها لهم ربّهم جلّ في علاه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين