لو معاك مليون جنيه دلوقتي ياتلري تعمل بيهم ايه
انتبه.. سؤال مباغت: ماذا تفعل لو هبط عليك مليون جنيه؟ تتزوج على أم أولادك «النكدية»؟.. توزعه على زملائك الفقراء.. تدخره فى صندوق توفير حتى لا يتبخر منك فى غمضة عين؟
حلم الانضمام إلى عالم المليونيرات.. ملغم.. شائك.. ومحيّر.. والردود على السؤال جرت خلفها إجابات بعضها منطقى واقعى وبعضها الآخر «خيالى».
رحاب حجاج «٢١ عاما» موظفة بالهيئة العامة للتصنيع، قالت: «حاولوا تزودوا الفلوس شويه أصلها مش هتكفى حاجة، علشان أنا عاوزة أخزن أكل يكفينى وعائلتى ٥ سنوات، بعد أن أقوم بعمل دراسة عن احتياجاتنا لمدة ٥ سنوات، بسبب ارتفاع الأسعار خلال العام الماضى ٣ أضعاف، خاصة أن الـ ٨٠٠ جنيه التى أتقاضاها كراتب لا تكفينى وحدى، وأخاف أن أصحو فى يوم فنجد أن كيلو اللحمة محتاج (شوال) فلوس بعد التضخم الاقتصادى الذى نعانى منه».
وأضافت: سأشترى لنفسى ملابس ومستلزمات زواجى، وعربية ولو تبقى شىء سأحتفظ به لأولادى كى أعلمهم فى مدارس أجنبية، لأن التعليم الحكومى أصبح عديم القيمة.
محمد عبدالله «٢٧ عاما»، بكالوريوس خدمة اجتماعية، يعمل بشركة للسياحة يقول إنه لو امتلك مليون جنيه سيعود إلى محافظته المنيا، ويشترى لنفسه شقة ليتزوج بها، ويفتح شركة للسياحة تتخصص فى الحج والعمرة، بعد أن عمل بهذا المجال ٥ سنوات، أو أن يقوم بعمل مشروع للموبايلات، التى تلقى رواجاً شديداً بين الشباب، أو العمل كسمسار عقارات، ورغم أن هذه المهن كلها بعيدة عن تخصصه، لكنها تضمن له فرصة عمل دائمة فى ظل الأحوال الاقتصادية «الزفت»، التى نعيشها، والتى ستزداد سوءاً بعد بيع المصانع، وقد يفكر فى السفر للخارج بحثاً عن حياة أفضل، بما يمتلك من مال.
على أحمد «٤٥ عاماً»، يأتى من سوهاج ليبيع الفاكهة فى شارع قصر العينى، يقول إنه لو حصل على مليون جنيه سيوزعها على زملائه من عمال اليومية، سواء «السريحة» فى القاهرة أو بلدته سوهاج، ويعود إلى أبنائه الأربعة ليحقق لهم ما يتمنونه، رغم أنه يرى أن المال الذى لا يتعب فيه صاحبه ينفقه دون وعى بأهميته، خاصة أنه يعيش اليوم بيومه ومكسب يومه لا يكفى لليوم الثانى.
زينب مصطفى محمد «موظفة بالهيئة العامة للتنمية والتصنيع»، قالت إنها لو امتلكت مليون جنيه، بعد أن تنفق منها لوجه الله، سترى احتياجات أولادها، فتبحث لابنها الثانى عن شقة يتزوج فيها، وقد تشترى سيارة، وتمنح ابنتها مالاً لتنفيذ مشروعها، الذى تقدمت به إلى جمعية جيل المستقبل، أو تقوم بعمل مشروع يعمل به كل أبنائها.
رحاب عادل «موظفة» قالت: هستقيل من شغلى وافتح مكتب محاسبة، وأبذل فيه كل مجهودى كى ينجح، وسأدخر كل ما أربحه منه كى أضمن لأولادى حياة مستقبلية جيدة بعد أن ارتفعت الأسعار وأصبح كل شىء بالفلوس، كما سأقوم باستكمال دراساتى العليا، وأحصل على الماجستير والدكتوراه فى المحاسبة، وأشترى عربية ترحمنى من التزاحم اليومى فى المواصلات.
محمد السعيد (٣٥ عاما) عامل محارة قال: «أتجوز بيهم، أشترى شقة بجوار سكنى فى عين حلوان وأشترى الأثاث وأدور على عروسة وأتجوزها، وممكن أتجوز أكتر من واحدة، وكمان أفتح محل بقالة، لأن أهم حاجة عند الناس تلاقى أكلها، رغم إن فيه ناس كتير مش لاقية تاكل دلوقتى».
إبراهيم السعدنى (٣٦ عاما) عامل مطعم قال: «هاتجوز على مراتى علشان هى نكدية، وأبنى بيت كبير فى القاهرة، يعيش فيه أمثالى ممن يسافرون إلى القاهرة يوميا للعمل، ويكون إيجاره رمزى جدا، وأعمل راتب شهرى لمن حولى من الناس المعدمين، الذين لا يجدون قوت يومهم بسبب ضياع صحتهم».
أحمد فتحى سائق (٢٩ عاما) قال: «أنا نفسى فى ٣٠ ألف جنيه بس علشان أمى تسافر تحج، وأنا مش قادر أحقق لها طلبها». أما محمد جابر عامل نظافة (٢١ عاما) فقال: أجوز إخواتى البنات التلاتة، وأعمل مشروع أشتغل فيه أنا وأصحابى، وأسفّر أمى للحج بعد أن تعبت معنا، وربتنا بعد أن هجرها والدنا، وسأحافظ على كل قرش أنفقه، وسأفكر فى استكمال تعليمى بالمعهد الذى انقطعت عنه بسبب ضيق الحال، وأساعد أخى الذى وصل سن الـ ٢٧ عاما ولم يتزوج.
هبة عاطف (١٨ عاماً) طالبة بكلية الألسن قالت إنها ستسافر إلى روسيا لاستكمال دراستها للغة الروسية، وستبحث عن عمل هناك، ولو عادت إلى مصر ستشترى عربية وستدخر الباقى لأى جديد فى حياتها، خاصة أنها تعلم أن تخصصها باللغات من السهل إيجاد فرصة عمل به.
عم يسرى (٥٣ عاما) كان جالسا بصندوق ورنيش، لكنه قال: أنا صانع أحذية اضطرته الظروف إلى الخروج بصندوق ورنيش، وقال إنه لا يحتاج إلى مليون جنيه، بل يحتاج إلى ألف جنيه، تعيد له كرامته بين زملائه صانعى الأحذية الذين فقدوا مهنتهم بسبب الأحذية الصينية التى ملأت الأسواق بأرخص الأسعار، وسيقوم بشراء فرشة أحذية ويجلس بها فى الشارع ليبيعها ويصبح صاحب رأس مال دائم يستطيع منه الإنفاق على أولاده الثلاثة الذين يدرسون فى الثانوية العامة.
أما محمد بيومى «٥٨ سنة» صاحب محل بقالة فقال: «تصدقى إن الخاطر ده بييجلى لى كتير وإمبارح كنت باكلم نفسى وباقول يارب نفسى فى حتة أرض أبنى عليها بيت ٣ أدوار لى ولأولادى ويجاوره مسجد أقضى فيه معظم وقتى بعيد عن الناس».
«إيه يعنى مليون جنيه! مش عايزهم! بس وفرلى راحة البال والأمان»، هكذا قال عم عبدالله «٦٣ سنة» وهو جالس بجوار فرشة الجرائد بشارع عماد الدين، وأضاف: ما إحنا زمان ماكنش عندنا حاجة وكنا مبسوطين لأن كان فيه أمان.
الدكتور محمد النجار «٥٥ سنة»، رغم أنه أستاذ للاقتصاد بجامعة بنها، فإن أحلامه للمليون بعيدة تماما عن مجال دراسته، فهو يحلم بشراء أرض زراعية، وتحويلها إلى حديقة فواكه، يقضى بها باقى عمره، ويجعل ريعها وقفا على تعليم أبناء الفقراء.
على درويش «٤٠ سنة - مهندس اتصالات» غامر من قبل وحاول دخول عالم الصناعة، لكنه لم يوفق، لذلك إذا امتلك مليون جنيه سيشترى عقارات بالمبلغ كله، ثم يقوم بتأجيرها «إيجار جديد».. لأنه يرى أن ذلك أفضل وأأمن استثمار له ولأسرته.
وحول اختلاف طريقة إنفاق المواطنين لـ «المليون» تقول الدكتورة نادية قاسم، أستاذ علم النفس الحديث: «الشعب المصرى افتقد واقعه ولم يعد قادراً إلا على الحلم بعد أن فقد قدرته على الحصول على احتياجاته الأساسية من أمان واستقرار، مشيرة إلى أن اختلافات أوجه الإنفاق بين المشاركين بالرأى منطقية وكلها تعكس حالة التخبط المجتمعى الذى يعيش فيه الناس، باحثين عن أول سبل الاستقرار، وهو مكان السكن ولقمة العيش فى الوقت الذى تنصلت فيه الدولة من توفير تلك الالتزامات، موضحة أن هذا الحلم يشبه وضع إنسان جائع فى «أوبن بوفيه» وهو ما قد يقتله.